عندما تدخل المرأة مرحلة الأربعينات من عمرها غالبا ما تراودها أفكار لم تكن تخطر ببالها من قبل وتنذر بأنها تمر بأزمة، فقد كانت طوال حياتها السابقة مشغولة بالدراسة والخطبة والزواج ورعاية الأطفال.
أما الآن فقد بدأت تشعر بالوحدة بعد أن كبر الأبناء وأصبحوا يتمردون علي توجيهاتها ويفضلون الذهاب مع أصدقائهم علي الجلوس في المنزل وأصبحت مشاعر زوجها نحوها فاترة إلي درجة باتت تقلقها، وفي رأسها تدور التساؤلات.. أين أحلامها في أسرة ناجحة مترابطة وهي الآن تراها تتفكك شيئا فشيئا.. فلم تعد تجمعهم مائدة طعام واحدة منذ مدة طويلة، ولم يبق لها إلا الوحدة والملل والكآبة والخوف من المستقبل وما تخبئه الأيام لها ولأسرتها.. تشعر وكأن سنوات عمرها الماضية كابوس ثقيل، وأنها فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أحلامها علي كل المستويات وكأنها كانت تجري وراء سراب.. وبحسابات الحاضر هي أيضا خاسرة لأنها ضيعت عمرها هباء ولم تعد تملك شيئا ذو قيمة، فقد أنهكت قواها وذهب شبابها وضحت بفرص كثيرة من أجل إستقرار أسرتها ومع هذا لا يقدر أحد تضحياتها، ولذلك تشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميها، حتي المبادئ والقيم التي عاشت تعلي من قيمتها أصبحت تبدو الآن شيئا باهتا، فلم تعد تري لها نفس القيمة، ولم تعد متحمسة لشئ ولا مهتمة بأي شئ، فقد خارت قواها وإنطفأ حماسها وإكتشفت أن الناس لا يستحقون التضحية من أجلهم، وأن المبادئ التي عاشت لها لم يعد لها قيمة في هذه الحياة، وفي لحظات أخري تشعر بميل إلي الزهد في الحياة وتكثر من الصلاة والصيام وقراءة القرآن فتستعيد صفاءها وتوازنها من جديد، وترضي بما قسمه الله لها وتعترف بأنها فقدت أشياء كأنثي ولكنها إكتسبت أشياء أخري.
هذه هي بعض معالم أزمة منتصف العمر التي تمر بها معظم النساء والتي أوضحها د.محمد المهدي أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بكلية طب دمياط جامعة الأزهر مضيفا أن هذه الأزمة قد تدركها بعض النساء ممن لديهن درجة عالية من الوعي والإحساس، والبعض الآخر يتقبلن الأمر بسهولة، وقد تمر هذه المرحلة بلا مشاكل خاصة في النساء الناضجات حيث تدرك المرأة أنها ربما خسرت بعض الأشياء كأنثي ولكنها كسبت مساحات كبيرة كأم حنون أو كموظفة ناجحة أو رائدة في مجال إهتمامها.
وهناك نوع آخر من النساء يشعرن بآلام الأزمة ولكنهن يتحملن ويقاومن في صمت ويحاولن إخفاء مشاعرهن عمن حولهن، ولذلك تظهر عليهن بعض الأعراض النفسجسمية كآلام وتقلصات بالبطن أو صعوبة في التنفس أو آلام بالمفاصل أو صداع مزمن أو إرتفاع في ضغط الدم، وأخريات يفضلن الإنطواء والعزلة بعيدا عن تيار الحياة ويمارسن واجباتهن المنزلية والوظيفية في أدني مستوي ممكن، ومنهن من يستغرقن في العمل والنشاط والنجاح في مجالات كثيرة علي أمل التعويض عن الإحساس بالإحباط في الحياة، وهناك من يلجأن إلي التصابي والتصرف كمراهقات في ملابسهن وسلوكهن، كما نجد أيضا بعض النساء ممن يعانين أزمة منتصف العمر عرضة للإصابة بأمراض نفسية كالقلق والإكتئاب والهستيريا أو توهم المرض أوالرهاب أو أي إضطراب نفسي آخر.
ومما يدعم من تأثيرات أزمة منتصف العمر أنها ربما تكون قريبة من الفترة التي تتوقف فيها خصوبة المرأة وينقطع حيضها وتقل فيها هرمونات الأنوثة مع ما يصاحب ذلك من تغيرات جسمية، فتضاف العوامل البيولوجية إلي العوامل النفسية والإجتماعية فتزيد الأمر سوءا.
ولتجنب كل هذا يري أستاذ الطب النفسي أنه علي المرأة أن تستعد لمواجهة هذه الأزمة قبل حدوثها، وذلك بتحقيق إنجازات حقيقية راسخة ومتراكمة في مراحل الشباب، فلابد أن يكون في حياتها توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين حتي لا نكتشف في لحظة أننا ضيعنا عمرنا من أجل إنسان لم يقدر هذا العطاء بل نتنكر له ونجحده في غمضة عين.
وأن يكون لدينا أهداف نحاول تحقيقها وأهداف بديلة نتوجه إليها في حالة إخفاقنا في تحقيق الأهداف الأولي، فالبدائل تقي الإنسان من الوقوف في الطرق المسدودة، والواقع يقول أن الحياة مليئة بالخيارات، وإذا فقدت المرأة بعض شبابها فقد اكتسبت الكثير من النضج والوعي والقدرة علي قيادة أسرتها والحفاظ عليها وإكتسبت الخبرة في العمل وفي الحياة، وإذا فقدت هويتها كفتاة جذابة وجميلة فقد إكتسبت كرامتها وهوية الأمومة أومكانتها في العمل، مع الحرص أن تكون لنا علاقة قوية بالله تحمينا من تقلبات الأيام وجحود البشر.
أما إذا وقعت المرأة فعلا في براثن هذه الأزمة، فإن علماء النفس ينصحونها بأن تتحدث عن مشاعرها لصديقة لها تثق في أمانتها، فإن ذلك يسهل عليها مرور الأزمة بسلام، وإذا لم تجد هذه الفرصة فيمكنها أن تلجأ إلي أحد علماء الدين أو أخصائية إجتماعية أو إلي طبيب نفسي، فهؤلاء يمكنهم أن يقدموا لها المشورة والمساندة، وبعض النساء ربما يحتجن لعدد من الجلسات النفسية الفردية أو الجماعية لمساعدتهن علي تفهم جوانب الأزمة والتعامل معها بفاعلية أكثر والخروج منها بسلام.
أما عن دور الأسرة فعليها واجب الدعم وذلك من خلال الإستماع لشكوها وتفهمها وتقديرها وتقديم المساعدة اللازمة، وعلي نطاق المجتمع ككل فنحن نحتاج إلي نشر الوعي بهذه الحالة الشائعة والتي يعاني منها الكثيرون والكثيرات في صمت وتؤدي أحيانا إلي تفكك الأسر وضياع الأبناء.
وأخيرا وليس آخرا علينا أن نتذكر أننا نمر في عمرنا بمراحل قدرها الله سبحانه وتعالي وهيأنا لها ولكل مرحلة مزاياها ومشاكلها، وعلينا أن نتقبل ذلك راضين شاكرين وألا نتأسي علي ما فاتنا.. فكل شئ يسير بتقدير من الله.
الكاتب: ريهام عبد السميع.
المصدر: جريدة الأهرام المصرية.